دلال الفلسطينية تواجه ظلمة العين بنور العلم
لا يوجد ما يسمى بإنسان عاديّ وغير عاديّ، وإنسان معاق وآخر سليم، فجميعنا بشر نحتاج إلى الآخرين حولنا لإكمال ما ينقصنا، فكوني كفيفة، ونظرة الناس لي، هو ما زرع الأمل في داخلي لتحدي الإعاقة".
بهذه الكلمات عبرت الفتاة الفلسطينية الكفيفة دلال التاجي لبرنامج "صباح الخير يا عرب" على قناة mbc1 عن المبدأ الذي سارت عليه لتخطي الصعاب التي واجهتها في حياتها الدراسية والعلمية.
لقد بدأت دلال حياتها بالحرص على طلب العلم، فحينما حرمت من أن يكون لها مقعدا دراسيّا، ولم يتوفر لها ككفيفة أدوات وكراسات الدراسة في قطاع غزة، سافرت برفقة والدتها لتدرس في لبنان.
وعن هذه البداية، تقول دلال (39 عاما) المقيمة بخان يونس جنوب قطاع غزة: "حينما توجهت للمدرسة لألتحق بها لم يكن أحد يفتح بابه لأمثالي، والظروف كانت أكبر من أن يهتموا بكفيفة مثلي، وهذا آلمني كثيرا، ولم أكن أكف عن البكاء وطلب الالتحاق بالمدرسة، فسافرت بعدها إلى لبنان مع والدتي، والتحقت بمدرسة للمكفوفين هناك".
وتصف فترة إقامتها بلبنان فتقول: "كانت الدراسة جميلة في مدارس لبنان، ولم أشعر بصعوبة؛ لأن المدرسة وفرت لي آلة كاتبة خاصة بالمكفوفين وتسهيل الدراسة، لكن فوجئت بكل شيء ينتهي مع دخول الحرب الأهلية لبنان، ولم أكمل دراستي وتعطلت سنتين، ثم سافرت لأستأنف الدراسة في مصر".
ومن اليوم الأول للدراسة في مصر، واجهت التاجي مصاعب كبيرة، خاصة مع عدم توفر الآلة الكاتبة للمكفوفين في المدارس آنذاك كما تعودت في لبنان، لكنها تحملت هذه الظروف حتى حصلت على الثانوية العامة.
دخول الجامعةوفي عام 1995، عادت التاجي إلى قطاع غزة ليعود مسلسل الرفض في مؤسسات المجتمع لطموحاتها وتخصص اللغة الإنجليزية الذي رغبت فيه، لتدخل في صراع مع إدارة جامعة الأزهر لفترة فصل كامل، حتى نجحت في التأثير على بعض الأساتذة للتوسط لها بدخول قسم اللغة الإنجليزية.
ورغم موافقة الجامعة على دخولها هذا القسم، إلا أنه طوال فترة الأربع سنوات كان الجميع يشعرونها بأنها غريبة أو ليست موجودة، خاصة أن الطلبة لم يكن لديهم استعداد للجلوس مع كفيفة ليقرؤوا ويتابعوا معها المحاضرات، وهذا ما كانت تحتاجه، وفوق هذا كانت الجامعة ترفض الكاتب الذي كان يرافقها في الامتحانات وفرضت عليها كاتبا مبتدئا لا يجيد الإملاء بالإنجليزية.
لكن دلال أثارت بذكائها وسرعتها في استيعاب اللغة الإنجليزية من حولها خارج وداخل الجامعة، حتى تخرجت بتقدير "جيد جدّا" عام 1999، لتتسابق إليها عديد من المؤسسات حتى تعمل لديها.
وبعد حصولها على الشهادة الجامعية، أصبحت مترجمة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لمدة أربع سنوات، لكنها تركتها لرغبتها في إكمال دراستها للحصول على درجة الماجستير.
رحلة الماجستيرومن أجل الحصول على الماجستير سافرت دلال برفقة والدتها إلى بريطانيا، لتعانى الأمرين في سبيل الوصول إلى الدرجة العلمية التي خرجت من أجلها، بعد أن تركتها والدتها وعادت إلى قطاع غزة.
ورغم وصفها لهذه الرحلة بالصعبة والمخيفة، فإنها تعتبرها أجمل المراحل التي شعرت فيها بإرادتها وشجاعتها، لتعود مجددا إلى القطاع عام 2006، بعد حصولها على درجة الماجستير في العلوم الإنسانية باللغة الإنجليزية من جامعة "أدنبره" باسكتلندا.
والآن تتقلد دلال التاجي منصب رئيس قسم التعليم المستمر بكلية تنمية القدرات التابعة لجمعية الهلال الأحمر بالقطاع، كما أضحت واحدة من أهم المطلوبين لتنظيم وإعطاء الدورات في الكمبيوتر والترجمة في العديد من المؤسسات، من بينها مؤسسة "هانديف إنترناشونال" المتخصصة في تعليم المعاقين، ودورات في حقوق الإنسان.
ونالت التاجي عديدا من جوائز الإبداع من جامعات قطاع غزة، من أهمها المرتبة الأولى في جائزة الإبداع من مهرجان "ملتقى الإبداع" الأول والثاني الذي تقيمه الجامعة الإسلامية في كل عام.