رغم قلة الإمكانات ... أطباء غزة يتحدون الحصار بعمليات نوعية
أيام طويلة ربما تمتد لشهور لابد لمرضى غزة انتظارها كي يتسنى لهم مغادرة القطاع للعلاج بالخارج بسبب النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية التي تقف حائلا دون توفر علاجهم في مستشفيات غزة المحاصرة . ذلك الانتظار أودى بحياة أكثر من مائتي مريضا حتى هذه اللحظة ، مما دفع أطباء غزة للخوض في تجارب جديدة لإجراء عمليات جراحية متميزة لم تكن متوفرة في السابق ، في محاولة منهم لطي ملف العلاج بالخارج الذي يثقل كاهل وزارة الصحة الفلسطينية والمرضى على حد سواء .
جراحات ناجحة
وبالرغم من الإمكانات البسيطة المتاحة والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية ، تكللت جهود عدد من الأطباء بالنجاح وضاهت نتائج عملياتهم مثيلاتها التي تجري في مستشفيات الخارج . فقد نجحت الكوادر الطبية العاملة في المستشفى الأوروبي جنوب قطاع غزة من إجراء 9230 عملية جراحية بينها 1475 عملية قسطرة للقلب تكللت جميعها بالنجاح .تلك العمليات خففت من معاناة المرضى وأراحتهم من شقاء السفر للخارج ، فضلا عن الاستغناء عن التكاليف المالية الباهظة لإجراء العمليات بالإضافة إلى متاعب تحضير التصاريح خاصة في ظل الحصار وإغلاق المعابر وعدم سماح الاحتلال لأهالي القطاع بالسفر للعلاج في الخارج.من جانبه قال خالد راضي الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة أنهم شرعوا بتنفيذ الخطة الشاملة التي وضعتها وزارته للنهوض بالقطاع الصحي وإنهاء ملف العلاج بالخارج, موضحا أنه يكلف الوزارة ملايين الدولارات ويستنزف قرابة الخمسين بالمائة من ميزانيتها السنوية.ورأى راضي أن وجود خبرات طبية قوية وعلى درجة عالية من الكفاءة والتميز والتي لا تحتاج سوى إلى توفير الإمكانيات اللازمة لإجراء العمليات الجراحية أعطى الوزارة دفعة قوية للمضي قدما لإنهاء ملف العلاج بالخارج ، مشددا على أن جهودا جبارة تبذل لتوفير الإمكانيات من خلال التواصل مع المنظمات الدولية ذات الصلة. ولفت راضي إلى أن مستشفيات القطاع تمكنت من إجراء العديد من العمليات الجراحية النوعية والمعقدة الناجحة التي كانت تجرى في الخارج والتي كان من أبرزها استئصال الجسم الزجاجي من شبكية العين والقسطرة وزراعة الأطراف الصناعية وكذلك تدبيس المعدة والمناظير وغيرها. وجدد راضي تأكيد وزارة الصحة على حرصها الدائم على الوقوف إلى جانب المواطنين من خلال تسخير كافة الطاقات والجهود لخدمتهم، وقال" الحصار الجائر لن يعيق مواصلتنا مشوار التطور والتقدم ".
استقدام أطباء
وزارة الصحة عكفت على التنسيق مع الوفود الطبية العربية والأوروبية لزيارة قطاع غزة وإجراء عمليات جراحية مميزة في مستشفياتها ، في محاولة منها للتخفيف عن المواطنين ، واستغلال تلك الخبرات لتدريب الكوادر الطبية العاملة بوزارة الصحة .فقد استقبل الدكتور حسن خلف وكيل مساعد وزارة الصحة والمكلف بإدارة مجمع الشفاء الطبي وفدا طبيا فلسطينيا قادما من الأراضي المحتلة عام 48 يرأسه صلاح الحاج يحيى المنسق لجمعية أطباء حقوق الإنسان في الداخل ، ويضم كلا من الدكتور مصطفى ياسين أخصائي جراحة العظام والدكتور عبد السلام إغبارية أخصائي علاج أمراض السرطان والدكتور حسام عودة أخصائي التأهيل والعلاج الطبيعي وذلك لإجراء عمليات جراحية لمرضى السرطان والأورام والعظام في المستشفى الأوروبي بمدينة رفح .وأكد يحيى على أن الهدف من الزيارة يأتي لرفع مستوى التعاون والتنسيق فيما بين أبناء الوطن الواحد، واكتساب الخبرات في العمل الطبي والتي تعود بالنفع على تحسين المستوى الصحي في قطاع غزة.واقترح الوفد الضيف إرسال أطباء من قطاع غزة للتدرب في المستشفيات المتواجدة في الأراضي المحتلة عام 48 ، كما تم مناقشة العديد من القضايا التي تهدف إلى الارتقاء في مستوى الخدمات الصحية في قطاع غزة والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين.فيما أكد الدكتور خلف أن هذه الزيارة تعد الثالثة للوفد الطبي من أراضي الثمانية وأربعين ، مشيرا إلى أن الوزارة على تتواصل مع وفود طبية عربية ودولية لزيارة قطاع غزة والاستفادة من خبراتها ، مثمنا دورها في إجراء عمليات جراحية مميزة غير متوفرة في القطاع بسبب قلة الإمكانات . وكانت وزارة الصحة قد عملت على استقدام وفود طبية أجنبية لإجراء عددا كبيرا من العمليات الجراحية النوعية مثل الوفد التركي والوفد الفرنسي، بالإضافة إلى مشاركة أطباء من الخارج في إجراء عددا من العمليات الهامة لصالح المواطنين المرضى في قطاع غزة.
تخفيف الأزمة
بأيدي ومهارات فلسطينية وعلى أرض غزة المحاصرة ، وفي خطوة متميزة لتعزيز ثقة المواطن للعلاج في مستشفيات القطاع ، نجحت وزارة الصحة في تحقيق قفزات نوعية ضمن ملف العلاج في الخارج.ويعد كلا من الدكتور ناصر أبو شعبان استشاري جراحة المناظير والدكتور محمود غنيم أخصائي شبكية العيون أبرز الأطباء الذين نجحوا في إجراء عمليات نادرة ومميزة .من الجدير ذكره أن العمليات المميزة أجريت في مجمع الشفاء الطبي ومستشفى العيون بمدينة غزة، ومستشفى الأوروبي بمدينة خانيونس، محققة بذلك الراحة والاستقرار للمرضى وذويهم، والذين طالما تكبدوا المعاناة والتكاليف الباهظة للعلاج في الخارج، بالإضافة إلى معاناة الانتظار والتفتيش على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية دون أي مراعاة لمرضهم وآلامهم .
الطب الوقائي
وفي السياق ذاته تمكنت الإدارة العامة للرعاية الأولية في وزارة الصحة من مواجهة الصعاب وتحقيق عدد من الانجازات التي انطلقت من واقع عمل دءوب كون الرعاية الأولية هي العمود الفقري للخدمات الصحية الفلسطينية .فقد استطاعت دائرة الطب الوقائي التي تعد إحدى دوائر الإدارة العامة للرعاية الأولية تعزيز شبكة الأمان الصحية للمواطن الفلسطيني بشكل يضمن عدالة التوزيع والمساواة وتقديم خدمة مميزة بأقل كلفة .وتضم الدائرة كل من قسم الأوبئة وقسم التطعيمات وقسم الوقاية من حوادث الطرق وقسم مراقبة الأغذية ومختبر الصحة العامة والصحة المهنية ، حيث تمكنت أن تعمل بشكل تكاملي من اجل حماية المجتمع الفلسطيني من كافة الآفات الوبائية والأمراض وحماية المستهلك من الملوثات البيئية ومنع الغش والتدليس والتثقيف الصحي للجمهور وفحص العاملين في تداول وإنتاج الأغذية ومتابعة القضايا الغذائية وإصدار تراخيص الحرف والصناعات بالإضافة إلى الفحوصات المخبرية للاكتشاف المبكر لبعض الأمراض وجولات التفتيش الميدانية.هذه القواعد ومن خلالها تمكنت دائرة الطب الوقائي أن تحافظ على مستوى متوازن للصحة العامة حيث أثبتت التقارير انخفاض ملحوظ في انتشار الميكروبات والالتزام بالقوانين الصحية في إنتاج الأغذية واكتشاف الأمراض ومعالجتها في مراحلها الأولية مثل المشاركة في مكافحة وباء أنفلونزا الطيور والذي تفشى في ربيع عام 2006 والذي تم القضاء عليه ، وتقديم التطعيمات اللازمة خاصة لحجاج بيت الله الحرام للعام الماضي ضد التهاب السحايا الرباعي.كما وعملت الدائرة على تطوير أداء العاملين سواء على الناحية الإدارية أو العملية ومواكبتهم للركب الحضاري من خلال ابتعاثهم لدورات في الخارج أو المشاركة في فعاليات صحية على المستوى الإقليمي والدولي بالإضافة إلى توقيع عدد من بروتوكولات التعاون مع عدة دول عربية وأجنبية , ولتوفير الاحتياجات اللوجستية من تطعيمات وتجهيزات مخبريه , وتسخير التكنولوجيا الحديثة لتسهيل المهام الفنية بدقة وبنتائج أفضل , ماضية في الوصول إلى واقع صحي فلسطيني خالي من الأمراض رغم محدودية الإمكانيات .