أكرم العبد يتحدى الفقر ببسطة لبيع المنظفات المنزلية
خمسمائة دولار استطاعت أن تغير ملامح حياته و أحالتها من فقر أنهك نفسيته وحطم تفاصيل مستقبله إلى حلم وطموح بمزيد من النجاح والإصرار على البقاء مرفوع الجبين عالي الهمة لا يحتاج إلا للمزيد من كلمات التشجيع التي تعينه على استكمال تفاصيل حياته بمزيد من الصبر والعطاء والإبداع.في إحدى الأسواق الشعبية بغزة المدينة وتحديدا في حي " الشجاعية " كان يفرش بسطته بأنواع كثيرة من المنظفات, إحداها لتعطير الجو وأخرى لتلميع البلاط وثالثة لتنظيف السجاد والموكيت ورابعة للحماية من الحشرات الزاحفة وخامسة لتنظيف الأواني المنزلية ينادي عليها بحرارة عارضاً أسعارها للعيان بأعلى صوته فتجد بسطته تزدحم بالمتسوقين, فتارةً يخفض لهم الأسعار ,وتارة أخرى يصر عليها لكن بابتسامة لطيفة متعذراً بغلاء ثمن البضاعة عليه وما إن يغلب للزبون الذي يشتكي الغلاء في كل شيء حتى يبيعه ما يريد قائلاً " معوضين إنشاء الله" ويرد الزبون آمين، مشهد لفتت تفاصيله انتباهنا فرغم الضائقة التي يعانيها صاحب البسطة إلا أنه لا يملك إلا أن يراعي ظروف الزبائن الذين لا يسوء حالهم عن حاله.أكرم العبد في الثلاثين من ربيع عمره، أعملت أشعة الشمس تأثيراتها على ملامحه فبدا أسمر الوجه، يقول أنه يوماً لم يكن بائع بسطة ولكن ظروف معيشته أجبرته على هذه المهنة الشاقة، قبل سنوات تتراوح بين الثلاث والأربع وفق إفادته عمل كسائق تاكسي ينقل الركاب حيث يريدون, يتنقل بين المدن والقرى الفلسطينية، لكنه ما لبث أن تركها نتيجة غلاء أسعار الوقود وعدم قدرته على توفير احتياجات بيته من عمله وفقاً للأعطال الكبيرة التي تتعرض لها سيارته في ظل شوارع غزة المكسرة وتدمير البنية التحتية فيها، فما كان منه إلا أن يرجع السيارة لمالكها ويرزح عاطلاً من جديد في المنزل، لكنه لم ييأس ولم ينسل الكدر إلى قلبه وبدأ التفكير بمشروع صغير ينقذه من فقره ويؤمن له احتياجاته وأسرته البالغة ثمانية أفراد بالإضافة إليه وزوجته، مضيفا بعد أن رسم ابتسامة أمل على محياه : "تقدمت لجمعية المجمع الإسلامي لطلب دعم لمشروع صغير أتمكن من خلاله توفير رأس المال وبالفعل ما كان منهم إلا الوقوف إلى جواري ,فالبداية كانت خمسمائة دولار أمريكي استطعت خلالها تصنيع بسطة متواضعة وتضمينها بأدوات التنظيف التي تحتاجها ربات البيوت في المنزل ومن ثمَّ نزلت إلى السوق أبيع ما أستطيع منها بأسلوب جيد أرغب الناس في بضاعتي وأنتقي زبائني والحمد الله وفقني الله ".
يوم عمل..
يقول أكرم: "ما إن ترسل الشمس أشعتها بعد ساعات الفجر معلنةً شروق يومٍ جديد حتى ألملم بضاعتي في علب من الكرتون متوسطة الحجم أنقلها على عربة البسطة إلى السوق في المكان المخصص لي ,هناك وقبل أن يؤم السوق أحداً أكون قد رتبت مكان بسطتي ونظفته ومن ثم أبدأ بترتيب وتنظيم البسطة في شكل متناغم يسهل على الزبون الشراء فمثلاً أدوات التنظيف الخاصة بالبلاط تكون يميناً يجاورها المنظفات من المساحيق وإلى جوارها تجد منظفات الجلي بأدواتها أيضاً وغير بعيدٍ عنها تستقر الروائح المعطرة وإلى اليسار منظفات الحشرات الزاحفة "، ويتابع:" وبينما أنتهي من توضيب وترتيب بضاعتي حتى يبدأ المتسوقون بالولوج إلى السوق فأعمد إلى المناداة على بضاعتي بأعلى صوتي ليأتيني المتسوقون وأشجعهم على الشراء بعرض السعر وغالباً ما يكون مناسب لإمكانياتهم "، معلقا "الحمد الله ربنا بيرزق" .ويشتكي العبد من حركة البيع التي تقلصت بل تدهورت في الآونة الأخيرة فرغم أن منتوجاته قليلة الأسعار إلا أن الكثيرين لا يقبلون عليها لأن ليس لديهم أموالاً بفعل الحصار الجائر ويسترسل قائلاً "حركة البيع تأثرت كثيراً بالحصار المفروض على الفلسطينيين وكل يوم تسوء عن الذي قبله، فمثلاً الحركة الآن أسوأ مما كانت عليه قبل أسبوعين فالحركة التجارية ضعيفة ليس فقط في مجال بيع المنظفات لكنها عند جميع التجار ، ورغم هذا وذاك إلا أن أكرم لا يبخس رزقه بل يشكر الله ويأمل أن يزيده من فضله قائلا: الحمد لله في اليوم أحياناً أبيع بمائة وخمسين شيكل خاصة يوم الجمعة، لافتاً إلى أن هذا الرزق ليس دائماً في ظل الحصار المفروض مؤكداً أن رزقه قد يتناقص كثيراً ويستمر تناقصه لأسابيع وأحياناً لشهر وفقاً لحركة البيع لافتاً أن الشهر الماضي كان معدل رزقه اليومي 50 شيكلا فقط، لكن اليوم تضاءل إلى النصف وأحياناً أقل من النصف ولكن الحمد الله.
قبل و بعد المشروع
لم يكن أكرم قبل أن يبدأ مشروعه قادراً على توفير قوت يوم أبنائه وتلبية احتياجاتهم سواء بتوفير المصروف الجيبي لهم أو حتى الرسوم المدرسية أو تلبية احتياجات المنزل من طعام ضروري يمدهم بقليل من طاقة الصبر والتحمل للبقاء زمناً على قيد الحياة بأمر الله وفضله، لكن الآن بات قادراً على ذلك والسبب بضعة شواكل ربحها من عمله وجهده وكده وعرقه.تفاصيل الحياة باتت أجمل ، بات يلمح الابتسامة على وجوه أبنائه خاصة أيمن الذي يدرس في المرحلة الثانوية ,ويضيف العبد :"في السابق لم أتمكن من توفير المصروف الجيبي له وهو الشاب,فكنت أحياناً أمده بنصف شيكل وأحايين كثيرة يذهب إلى مدرسته دون مصروف وكذلك بقية أطفالي، ويتابع :"الآن بتُ قادراً على توفير احتياجاتهم بفضل الله عز وجل بتُ أستطيع تحقيق رغباتهم إذا ما اشتهت أنفسهم لوناً من ألوان الطعام لم يعتادوا عليه سابقاً كالفاكهة أو اللحوم، فالحمد لله الرازق العاطي ".ويعمد أكرم إلى توفير شيئاً من رأس المال عن طريق إدخار بعض الربح الذي يجنيه من بيع بضاعته حتى لا يضطر يوماً إلى إغلاق بسطته إذا لم يتمكن من توفير بضاعة في ظل حالة الكساد والغلاء التجاري الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية مؤخراً ،ويضيف :"أحاول جاهدا ًفي الحفاظ على استمرارية مشروعي لأنه سبب حياة أسرتي و بدونه نعود مجداً إلى حالة الفقر والفاقة والحاجة.و يتمنى أكرم أن يطور مشروعه فبدل من أن يشتري مواد التنظيف من التجار بالجملة يأمل في أن تتوفر لديه الإمكانيات المادية لتصنيعها منزلياً وبيعها فتكون نسبة الربح فيها أعلى ويحقق بذلك الأمان الاقتصادي والاجتماعي لأسرته في ظل ازدياد متطلبات الحياة وكثرة الالتزامات بين تعليم جامعي ومدرسي ورسوم متفرقة هنا وهناك ، ويرى أكرم أن العمل مهما كان بسيطاً ومتواضعاً أفضل ألف مرة من الركون إلى البيت والرضوخ للفقر والبطالة، مؤكداً أنه يفضل أن يعمل كبائع "ترمس" يجوب الحدائق والمنتزهات والشوارع ليحقق مبلغ خمسة شواكل يومياً من كده وعرقه دون الحاجة لطلب العون والمساعدة من غيره مهما كان صديقاً أو قريباً ,ويختم المواطن المثابر حديثه بأن من يتوكل على الله فهو حسبه يرزقه من حيث لا يحتسب.