نحل فلسطين.. يلسع البطالة
اللجوء إلى إنتاج عسل النحل كحل لمشكلة البطالة.. فكرة طالما راودت الكثيرين ولكن دائما ما تقف عقبة وجود أرض زراعية مجاورة لمناحل العسل أمام تنفيذ هذه الفكرة؛ إذ من المعروف أن إنتاج العسل يحتاج إلى وجود أرض زراعية ينطلق النحل إليها لاستنشاق رحيق زهورها ونباتها.
ولكن الفلسطينيين الذين يعانون من بطالة قدرتها وزارة العمل الفلسطينية بـ32.3% قدموا الحل الذي يعتمد على التكامل بين المزارعين ومنتجي العسل، عن طريق لجوء النحالين إلى أصحاب الأراضي الزراعية لمنحهم حق استغلال أراضيهم دون التأثير على زراعتهم، وفي المقابل يمنح المزارعون نظير ذلك أجرا ماديا، وبذلك تتحقق عدة فوائد؛ فالنحال يتمكن من تنفيذ مشروعة، والمزارع يحصل على مقابل دون أدنى مجهود.
فائدة مزدوجة
وعن كيفية نشأة هذه الفكرة يقول أبو بكر فرج صاحب إحدى الأراضي الزراعية ومن أوائل من طبقوها: كنت أعمل أنا وما يقرب من 120 ألف عامل فلسطيني داخل الأراضي الإسرائيلية بمقابل يومي يصل إلى 27 دولارا تقريبا، ولكن منذ عام 2000 وأنا أعاني من البطالة بعد الحصار الإسرائيلي منذ قيام الانتفاضة، ولم يفلح الإنتاج المتواضع الذي كانت توفره أرضي الزراعية من الوفاء بمتطلبات الحياة اليومية لي ولأسرتي، ولذلك عندما عرض عليَّ أحد الشباب هذه الفكرة تحمست لها جيدا وبدأت أجني ثمارها.
ويضيف: فكرة التأجير بدأت منذ عامين وفي كل عام أحصل على عائد مالي كبير قدره 6000 شيكل (1200 دولار)، وتمكنت بعد سنوات من العناء والمعيشة الصعبة أن أوفر لقمة العيش الكريمة لأفراد أسرتي البالغ عددها عشرة.
والطريف كما يؤكد أبو بكر أن ناتج محصوله ومزروعاته زاد منذ استقبل المناحل على أرضه، والفضل يعود للنحل الذي يتنقل من زهرة لأخرى حاملا حبوب اللقاح؛ أي أن الفائدة التي جناها كانت مزدوجة.
طريقتان.. للإيجار
ولتأجير الأراضي واستغلالها كمناحل طريقتان كما يشير النحال جابر عاشور أحد منفذي الفكرة، الأولى أن يؤجر صاحب الأرض أرضه للنحال دون أن يكون شريكا معه في الإنتاج، وهنا يأخذ صاحب الأرض على كل خلية نصف كيلوجرام، فمثلا إذا وضعنا 200 خلية في الأرض يكون نصيب صاحبها 100 كيلوجرام عسل والكيلوجرام يباع بـ60 شيكلا (12 دولارا)؛ أي إن إيراده يكون 1200 دولار.
ويضيف عاشور إلى أن كل خلية بحاجة إلى متر مربع، وحجم الأرض هو الذي يحدد حجم الخلايا حيث لا يمكن وضع أكثر من 200 خلية على مساحة قدرها 20 دونما (الدونم ألف متر مربع) مع الأخذ بعين الاعتبار تكاثر النحل وزيادة عدد الخلايا.
أما الحالة الثانية فهي أن يطالب صاحب الأرض بالشراكة مع النحال، وهنا يأخذ النحال الثلث من إجمالي الإنتاج مقابل إشرافه وعنايته بالنحل، ويتم تقسيم الباقي مناصفة بين الطرفين مع مراعاة خصم تكلفة الخلايا ومستلزماتها.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الأراضي تصلح لتنفيذ الفكرة.. كما يؤكد جابر عاشور فهناك العديد من الشروط التي ينبغي توافرها في الأرض، أهمها أن تكون بعيدة عن الحدود مع إسرائيل؛ لأن الأراضي القريبة من الحدود تشكل علينا خطرا فلا نأمن على أنفسنا من قيام قوات الاحتلال بقصفنا خاصة مع ملبسنا الذي يشبه الأقنعة، ويجب أن تكون الأرض مشجرة بالحمضيات (البرتقال - الليمون - البلنصيا - الجريب فروت)؛ حيث إن أجود أنواع العسل هو المنتج من أزهار الحمضيات، وأن تكون بعيدة عن الأحياء السكنية على الأقل بـ 300 متر حتى لا يؤذي النحل الناس.
تجارب ناجحة
وتتضح مدى الفائدة التي تعود على منفذي هذه الفكرة من خلال رأي "أبو خالد السيد" أحد منفذيها، حيث يقول: مساحة أرضي 10 دونمات وبها 100 خلية؛ ولذلك فإن حصتي تبلغ 50 كيلوجراما أبيعها بنفسي ولا ألجأ للنحال كما يفعل الآخرون. وعن السبب يضيف: النحال سيبيع الكيلوجرام بـ60 شيكلا، أما أنا فأبيعه بـ80 شيكلا وأربح الفرق؛ فجيراني يتهافتون للشراء مني لثقتهم بالعسل الموجود عندي وسمعة أرضي الطبية.
ويتمنى أبو خالد لو أن لديه أرضا أخرى ليضع فيها مزيدا من الخلايا ناصحا أصحاب الأراضي باستغلالها كمناحل للفوائد الجمة العائدة عليهم، سواء من ناتج العسل أو زيادة المحصول الزراعي
ونفس الفوائد الكبيرة لهذه الفكرة تؤكد عليها "أم حسن" التي تقول: توفي زوجي تاركا لي حملا ثقيلا وهو سبعة من الأبناء، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لم يتمكن أبنائي من الحصول على العمل؛ ولذلك قمت باستغلال الأرض التي تركها لهم والدهم في شرق مدينة غزة كمنحل، ولقد ساعدتني الفكرة على مواجهة متطلبات الحياة، فأرضي 20 دونما تحتوي على 200 خلية وأعمل بنظام المشاركة في الإنتاج؛ فيحصل النحال على ثلث الناتج مقابل إشرافه على المنحل، وبعد أن يتم خصم تكلفة ومستلزمات الخلايا يقسم العسل بالنصف بيننا، وفي هذه الحالة أحصل على مبلغ يقدر بـ 4000 دولار سنويا.
وعلى ذلك يتأكد دائما المثل الذي يقول إن" الحاجة أم الاختراع"؛ فمهما كانت المشكلة فإن لها حلا ولكنه مربوط بنية الإنسان في القضاء عليها، فلو ارتكن الإنسان إلى الاستسلام معتقدا أن الحل سيأتيه صدفة أو حظا فلن يتقدم إلى الإمام ولو خطوة واحدة، أما إذا أعمل نعمة العقل التي منحه الله إياها فحتما سيصل إلى الحل كما فعل شباب فلسطين في هذه التجربة.