متضامنو قافلة الابتسامات: سنكون سفراء غزة بالخارج
أيادٍ ضعيفة حفر الزمان عليها خطوطه.. واهنة بتجاعيد ما مر بها من أوجاع وأحزان.. هذه الأيادي تلقفتها كفوف طال بها الشوق لمعانقتهم، وزرع البسمة على وجوههم الدامعة ودعمهم ولو بالقليل.
صغار المدينة وكبارها لوّحوا للوافدين بعد أسابيع من رحلة طويلة شاقة بالورود الحمراء، وعلى ثغرهم ابتسامات أمل بغد أفضل يرسمه القادمون لكسر حصارها الخانق وعلاج جرحها.
في شمال قطاع غزة احتضن روّاد قافلة "أميال من الابتسامات" سُكان المدينة الجريحة، عانقوهم بحرارة حفرت تفاصيلها الذاكرة.. مشوا على الطرقات المكتوية بنار الحرب الإسرائيلية البشعة.. صعدوا فوق ركام الأنقاض والخراب.. حملوا الطفل، وصافحوا العجوز، وأعلنوا لغزة بملء حبهم "أنهم معها".
قافلة "أميال من الابتسامات" التي وصلت إلى قطاع غزة مساء الأربعاء 11-11- 2009 عبر معبر رفح الحدودي بعد انتظار طال أكثر من شهر في الجانب المصري, وبرفقتها عشرات المتضامنين من الأجانب والعرب استقبلها سُكان غزة بترحاب كبير وتصفيق حار.
تحقق الحلم
وإن كان الأهالي الخارجون من براثن حرب أدمت قلوبهم قد انتشوا برؤية القافلة وما تحمله من معدات دواء وبسمة كبيرة، فإن سرورا أوسع ارتسم على محيا الوافدين الذين انهالوا على تراب غزة بالقبلات.
عبد الله خالد اليوسف "15 عاماً" أحد المتضامنين على متن قافلة أميال الابتسامات, جاء من السويد لكي يوصل رسالته وتضامنه مع أهالي القطاع المنكوبين, حالماً بالعودة مرة أخرى رغم الصعوبات والمشاق التي واجهتهم أثناء الرحلة لغزة.
وبحروف الفرح قال: " أسعد لحظاتي عندما سُمح لنا بالدخول ووطأت قدماي تراب غزة الغالي.. فكانت دموعي تسبق فرحتي وسعادتي.. وسجدت شكرنا لله فقد تحقق حلماً طال انتظاره".
وعن رحلة العذاب في الأراضي المصرية مضى يقول: " مكثنا على المعبر 35 يوماً وخضنا الكثير من التحديات والمشاق.. وبدأ اليأس يدب في قلوبنا ولكن كنا مصممين ومُصرين على الدخول مهما كلفنا الأمر..".
واستدرك: " وفي النهاية حقق الله لنا مرادنا وتمكنا عبور القطاع.. فكانت الفرحة لا تتسع قلوبنا وسعادتنا كبيرة للغاية.. فأخيراً عانقنا تراب أرض العزة وشممنا رائحة مقاومتها".
وصلت الأمانة
وبلهفة سبقت حروفه تابع: " الآن أستطيع أن أرتاح وأغمض عيوني فالأمانة التي بجعبة القافلة سلمناها للأهالي وكانت عن مواد إغاثية وأدوات طبية وصحية وإسعافات وسيارات للمعاقين الذين فقدوا أطرافهم خلال حرب غزة".
وبثقة تابع :" بعد عطلة الصيف في السويد بدأنا بالتحضير للقدوم مع القافلة ...ومـع أن مدرستي ستفتح أبوابها خلال الرحلة حزمت أمتعتي وجئت إلى غـزة فوصولي إليها كان أهم وأكبر ... " وبعد العودة سيلتحق عبد الله بمدرسته وفي عقله مئات الصور والمشاهد وسيُخبر الأجنبي قبل العربي بقصة غزة وحكايتها الحزينة.
وأشار إلى أنه صور بكاميراته الدمار والخراب الذي حل بمدينة بالقطاع لكي يقدم للغرب المعانة الحقيقة التي يعيشها الأهالي, وما فعلته آلة العدوان الإسرائيلي بمنازلهم ومدارسهم وجامعاتهم وحتى المستشفيات وحضانات الأطفال.
وأردف قائلاً " سأسرد عليهم قصص لم يكونوا يتخيلوها.. والمجازر والضحايا فهناك الكثير من الآباء الذين فقدوا أبنائهم, والأطفال الذين قتلوا وشردوا وماتت عائلاتهم.. وعن الأسلحة المحرمة دولياً وآثارها التي مازالت موجودة حتى الآن", واستدرك: " سأكون سفير فلسطين في السويد".
رائحة الوطن
ويلتقط طرف الحديث شقيقه محمد "14 عاماً" وهو أصغر متضامن وصل بصحبة القافلة: " لقد تحقق حُـلم حياتي ...ها أنا أصافح المدينة الساكنة قلبي .."
كان محمـد يبكي خـوفاً وقلقاً في مصـر والأمل بعبور القافلة يتضاءل يوماً بعد يوم ..وكمن يتذكر ماضٍ مؤلم مضى يقول :" بعد الحرب على غـزة أدمتنا الصور الحزينة وتألمنا ونحن نرى الصغار والكبار يموتون ..ويبكون بيوتهم وأحلامهم ..صار لدّبنا يقين بأننا نحمل أمانة لأهالي غـزة ويجب إيصالها .. اليوم أستطيع أن أقول بأن الأمانة وصلت لأهلها".
وتابع بثقة: "التقطت الصور وسأقول للسويديين ما رأيتموه على التلفاز لاشيء من أرض الواقع ...وإليكم الصور القاسية المؤلمة فهناك مئات الأطفال الذين فقدوا أطرافهم وأعينهم وأهلهم وبيوتهم".
واعتبر والد الطفلين محمد وعبد الله أن دخول القافلة لغزة انتصار لصمود الشعب الفلسطيني وتضحياته الثمينة قائلاً: " زيارتنا لغزة فرصة كبيرة لي ولأولادي لنشتم رائحة الوطن والأرض التي حرمنا الاحتلال منها.. فنحن هُجرنا من عكا عام 48 ودخولنا لغزة أول الغيث وبداية الانطلاقة لدخول عكا وتحريرها من الاحتلال والمغتصبين".
ومضى يقول: " سأُعرف كل السويديين بوطني الكبير وسأعرض أمام الجميع حجم المأساة التي يعيشها الفلسطينيين, وحجم البطش والعدوان الذي تعرضوا له ولن نقف مكتوفي الأيدي بعد اليوم".
وكانت قافلة "أميال الابتسامات" قد بدأت رحلتها إلى قطاع غزة منذ نحو شهر وخمسة أيام مجتازة العديد من الدول الأوربية والعربية قبل أن تصل إلى مصر, حاملة بجعبتها حوالي 110 سيارة إسعاف وسيارات تحمل مستلزمات طبية وأدوية وحوالي 220 سيارة كهربائية للمعاقين وأجهزة حاسوب وقرطاسية.