عائلة الحاج فريح تبحث عمن يخرجها من سجنها
ضعيفة هي الكلمات إذا أردنا أن نعبر من خلالها عن المعاناة التي تعيشها عائلة الحاج فريح القايض في حي الصبرة بمدينة غزة، فهم كغيرهم من سكان القطاع يعيشون في سجن الذي لا تتجاوز مساحته 365 كم مربع وتسجل فيه أعلى كثافة سكانية في العالم، وتحاصره قوات الاحتلال، تضيق الأرض بما رحبت عليهم فتضيق صدورهم وتنحسر أنفاسهم، ويزداد الضيق ضيقاً بانعدام فرص العمل وتفشي الفقر والأمراض بينهم.تحاول تلك العائلة أن تتناسى الواقع المرير ويصبروا ويصبر بعضهم بعضاً ببارقة أمل تدنو من هنا أو هناك، تسير بهم أقدامهم نحو بصيص الأمل الذي عشموا به أولادهم علهم يجدوه في مؤسسة خيرية أو عند أبواب المساجد.
وسواء نجحت مساعيهم أم لم تنجح تبدأ الشمس بالغروب ويعلن النهار عن رحيله معلناً بداية الانتقال من سجن غزة الكبير للسجن الصغير " منزلهم " ، يجروا أقدامهم بعد ما كابدوه في نهارهم من تعب جسدي وتعب نفسي أشد فتكاً في نفوسهم والحاجة والمذلة قد أصبحت سجانا إضافياً يمرضهم وينغص عيشهم.تسير بهم خطواتهم لتقربهم من مسكنهم، يقتربوا أكثر فأكثر ، وكلما اقترب البيت كلما ثقلت أقدامهم وتباطأت خطواتهم، كأنهم لا يريدون أن يصلوا إلى بيتهم.ولعل الأسباب التي تكمن في عقل ساكنيه كافية لفك لغز الحيرة عندما أجاب أحدهم " هو هذا بيت".أمام البيت بدا كأنه هيكلاً حجرياً مهترئاً مكون من طابق واحد ظهرت عليه علامات القدم وانتشرت به التشققات.
فتح الحاج فريح الباب وأذن لي بالدخول شعرت حينها بالخجل كأني زيارتي لم يكن توقيتها مناسباً، للحظة اعتقدت أن لديهم مناسبة قد دعوا إليها كافة الأقارب والمعارف، قطع الرجل علي التفكير والتحليل وقال ما بك تقدم أنهم أهل البيت وساكنيه، قلت أتسكنون كلكم في هذا المنزل قالوا نعم ولماذا الاستغراب؟ ، قلت لأنكم بحاجة إلى أربع منازل أخرى بجانب هذا المنزل حتى تتسع لجموع الأعداد الموجودة!!!.خمسة من الإخوة متزوجون ويعيشون مع زوجاتهم وأبنائهم في منزل صغير لكل أسرة فيهم غرفة واحدة هي مسكنهم ومشربهم وملبسهم ومنامهم تماما كالسجون.وبينما عيناي ترقب المكان حتى ذرفت عيونهم بالدموع واسترسلوا بالكلام، وكأن هذه الحالات من المجتمع لا تبحث عن المساعدة المادية فحسب بل إنهم بحاجة إلى من يسمعهم وينصت إليهم حتى يفرغوا كبتهم .تحدث كل واحد من الإخوة عن أسرته حيث تتكون أقل أسرة من سبعة أفراد، هذا بالإضافة إلى الجدة التي تعيش في نفس المنزل.
سبعة أفراد يعيشون وينامون ويأكلون في غرفة واحدة بدت حالتها سيئة وبحاجة إلى كثير من الصيانة، استمر أهل المنزل في الحديث والتعبير عن معاناتهم وسوء حالهم، وكلما توقفوا لأخذ أنفاسهم كلما اعتقدت أني لن أسمع المزيد من المعاناة وبأن القصة قد انتهت، يعودون للكلام ويعود بكائهم من جديد .إحدى الزوجات تتحدث عن ابنها المعاق، وأخرى عن الحالة النفسية السيئة التي أصبحت مصاحبة لها بأدويتها ومسكناتها، أسأل الرجال هل يعمل أحدكم فينظرون إلى بعضهم بعضاً ويقول أحدهم لو كان يعمل أحدنا لوجدنا شيئاً نقدمه لضيافتك، آثرت الصمت فصمت الجميع لبرهة.علا صوت مجموعة من أولادهم وهم يتشاجرون بجانب الحمام، فسألتهم لماذا الشجار، فوجدتهم قد اختلفوا على ترتيب الطابور المخصص لاستخدام الحمام، هذا يقول حان دوري وذاك يقول أنا قد سبقتك.قبل الخروج من المنزل انتابني شعور غريب أحسست كأني أحد السجناء الذين سيفرج عنهم ويغادروا السجن، خرجت من مسكنهم وعيونهم تنظر إلي نظرة فرحة يأملون بيوم أفضل من سابقيه عل مساعدة يحصلون عليها من هنا أو هناك .