رحلة علاج الفلسطينيين المرضى عبر " إيرز " .. كيف يحولها الاحتلال لرحلة عذاب!
على قارعة الطريق بمحاذاة الجانب الفلسطيني من معبر بيت حانون "إيرز" أسند "سعيد شبات" جسده العليل على كتف زوجته, يلتقط أنفاسه التي أنهكها المسير لمئات الأمتار تحت أشعة شمس الصيف الحارقة.الرجل عاد لتوه بعد ساعات قليلة قضاها في مستشفى " تل هاشومير "بالأراضي المحتلة عام 48 لتلقي جرعة الكيماوي للعلاج من مرض السرطان, والتي استحال توفرها في مستشفيات القطاع ، في عرف غزة المحاصرة "شبات" نعِم بهذه الرحلة التي يتمناها المئات من مرضى غزة الممنوعون من السفر، يقول الرجل :" قوات الاحتلال تعمد إلى إذلالنا قبل السماح لنا بالدخول دون مراعاة إنسانية لمرضنا ".. المعاناة التي تحدث عنها "شبات" تفاصيلها تتراوح وفقاً لإفادته بين ساعات انتظار قبل السماح بالدخول إلى المعبر وساعات أخرى داخل المعبر قبل المسير إلى قاعة التفتيش, البداية عند "غرفة الفحص الأمني الإشعاعية" ، يقول الرجل:"يمكث المريض دقائق وبعدها يخرج على نداء جندي من الاحتلال عبر سماعة صوت أعدت لهذا الغرض"، لكن المعاناة لا تنتهي هنا بل تستمر تفاصيلها بالتفتيش الذاتي، فكما يقول "شبات" : "يؤمر المريضٌ بخلع الملابس وتفتيش مهين لمحتويات الحقائب الشخصية وأخيراً ورقة تعهد باللغة العبرية مفادها الموافقة على البقاء داخل المستشفى وعدم مغادرتها وأن هدف دخول الأراضي المحتلة للعلاج وليس القيام بأعمال إرهابية أو الاتصال بخلايا إرهابية، وإن وافقت ووقعت على الوثيقة يسمح لك بالدخول وأحياناً كثيراً بعد رحلة التفتيش يعيدوك ومريضك إلى حيث أتيت دون السماح لك بالولوج إلى المستشفى ".زوجة "شبات" التي رافقته في رحلة العلاج استطردت بعيون دامعة، تفاصيل أخرى لرحلة العذاب فقالت أن مسافة 1500 متر قطعتها وزوجها مشياً على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة دون رأفةً ولا رحمة من قوات الاحتلال بزوجها الواهن الذي لا يستطيع السير لمسافات طويلة بفعل تقدمه في السن واعتلال جسده إضافةً إلى الورم السرطاني، وأضافت: "جلسنا في الطريق برهة فثار جنون الجنود وأذاقونا معاناة أخرى من التفتيش المذل ... حسبنا الله ونعم الوكيل".
معاناة وإذلال
لا تقف معاناة المرضى الفلسطينيين في قطاع غزة عند حد المنع من الدخول إلى مستشفيات الداخل المحتل عبر معبر بيت حانون "إيريز" شمال قطاع غزة، بل أنهم إذا ما سمح لهم بالمرور وصولاً إلى المستشفيات لتلقي العلاج والجرعات الكيماوية لمرضى السرطانات المختلفة فإنهم يعانون الويلات في رحلة الذهاب والإياب، عقبات من تفتيش مذل وإجراءات تمتهن كرامة الإنسان وآدميته.مدير عام الإسعاف والطوارئ د. معاوية حسنين بصوته الجهوري حذر مرارا وتكرار من ممارسات الاحتلال بحق المرضى الفلسطينيين أثناء ذهابهم وإيابهم من رحلات العلاج بالأراضي المحتلة عام 48 حيث تجبرهم على المشي مسافات طويلة وصولاً إلى المعبر وتذيقهم ألوان من عذابات التفتيش، ويشدد د. حسنين على ضرورة إزالة جهاز الإشعاع الذي تم إضافته لمعبر بيت حانون "إيريز" حيث يسبب خطورة كبيرة على حياة كل من يتعرض له من المرضى والمرافقين لهم خاصة النساء الحوامل ومرضى السرطان وحالات زراعة الأعضاء، وأشار حسنين إلى أن المسافات الطويلة التي يقطعها المرضى مشياً على الأقدام تؤثر على حالتهم الصحية في ظل حرمانهم من التنقل بسيارات إسعاف داخل المعبر وفقاً لممارسات الاحتلال.
حالمون برحلة العذاب !!
طابور الموت لمرضى غزة امتد ليحصد روح الضحية 145 قبل أيام، وهي الطفلة أسمهان الجمل، فقد حرمها الاحتلال من مغادرة القطاع إلى مستشفيات الداخل المحتل عام 48 لتلقي علاج لإصابتها بالسرطان حيث تعاني من ورم سرطاني في الدماغ، وقبلها أسلمت روحها إلى بارئها الحاجة زكية محمد سعدة بعد آلام ألمت بقلبها لم تستطع معها سبيلاً للاستمرار في الحياة بقضاء الله وقدره، كما رحلت أيضاً نظمية محارب عابد والمصابة بالسرطان فلم تستطع صبراً مع الألم بعد أن رفض الاحتلال السماح لها بالخروج للعلاج رغم حصولها على ثلاث تحويلات للعلاج تتراوح بين مصر والأردن ومشافي القدس ، الحالات الثلاث الأخيرة للمرضى "شهداء الحصار" كانوا كمن سبقهم من المرضي الراحلون الذي كانون يحلمون برحلة العلاج " العذاب " ، لكن توارت أجسادهم بمرضهم وحلمهم تحت الثرى بفضل ممارسات الاحتلال ومنعهم من الخروج لمستشفيات الداخل المحتل عام 48 لتلقي علاجاً لآلام استقرت بأجسادهم، واستحال مع نقص الأدوية وتعطل الأجهزة بالقطاع إعادة بسمة الحياة إلى ثغورهم .